زائد: 400 مليون ساعة مشاهدة بودكاست في يوتيوب!
في أغسطس الماضي في الرياض، طلبت سيارة أوبر وكان حظي رائعًا مع الكابتن سامي الذي يملك سجلًا مميزًا، حيث أوصل عملاء في 7,376 مشوارًا طوال ست سنوات ونصف. المدهش أن سامي حاصل على درجة تقييم 5 نجوم لم تتراجع طوال عشرات الألوف من الكيلومترات التي قطعها في شوارع الرياض، وعلى إثرها حصل على الفئة الماسية في أوبر.
عندما وصلت إلى وجهتي، سألته كيف استطاع الحفاظ على هذا التقييم مع أشكال مختلفة من الأمزجة البشرية. أجاب: «الحين تعرف السبب!» ثم أعطاني مصاصة وانفجرنا في الضحك. ببساطة، كان يهدي كل عميل يركب معه «مصاصة» مع ابتسامة لطيفة أكسبته ولاء العملاء، وخمسة نجوم يستحقها عن جدارة.
ما زلت أذكر ذاك الشاب جيدًا، وأحتفظ بـ «سكرين شوت» على جوالي لسجلِّه في أوبر، وهو ما قادني إلى التفكير في مفهوم أطلقت عليه مسمى «اقتصاد اللطف».
في عام 2023، قدَّم 843 ألف سعودي 53 مليون ساعة تطوعية، أي ما يعادل 6050 عامًا من الجهد في عامٍ واحد، محققين قيمة مضافة تقدَّر بـ 1.2 مليار ريال أُضيفَت إلى الاقتصاد.
في السنوات الأخيرة، أصبحت برامج الولاء في السعودية جزءًا محوريًا من تفاعل المستهلكين، حيث تقدم الشركات نقاطًا مقابل المشتريات التي يمكن للعملاء استبدالها بمكافآت ليست سوى مجرد استهلاك إضافي. مثلاً، أنت تحتاج إلى التهام 11 ألف ساندويشة شاورما من مطعم «شاورمر» كي تحصل مجانًا على سيارة فورد سكيب، مقابل استبدال 78 ألف نقطة «ثومكوين» من تطبيق المطعم.
ولكن لو أعدنا تصوُّر برامج الولاء لاقتصاد قائم على اللطف والاستهلاك الأخلاقي سيتمكن الأفراد من كسب نقاط أو ريالات لطيفة من الأنشطة والخدمات الإنسانية، أو أي سلوك مفيد اجتماعيًا. كما فعلت ثمانية لدى طرح خطة الاشتراك الشهري مقابل مزايا مختلفة، منها مساهمة المشترك في زراعة شجرة.
يمكن كذلك استبدال هذه النقاط بمزايا مثل: الأولوية في طلبات التوظيف للشركات التي تلتزم بتوظيف الأفراد المتعاطفين والناشطين اجتماعيًا. أو خصومات في منافذ البيع حيث يتحول اللطف إلى قوة شرائية، كأن تحصل مجانًا على كوب قهوة من «هاف مليون»، أو وصول حصري إلى شبكات الأفراد المتشابهين في التفكير.
يُقدَّر سوق برامج الولاء العالمية بنحو 215 مليار دولار بحلول عام 2027 وفقًا لتقرير «أنتافو» (Antavo) لعام 2023. وتستمر هذه البرامج في جذب اهتمام الشركات لأنها تُعَد أداة رئيسة للاحتفاظ بالعملاء وتعزيز ولائهم، خاصة في أوقات الأزمات الاقتصادية والتضخم. ولتجنب الخسارة عند تقديم برامج الولاء، تعتمد الشركات على نماذج رياضية دقيقة لتحليل تكلفة الولاء مقابل الفوائد المحتملة.
إذ تظهر الإحصائيات أن الشركات التي تدير برامج ولاء قوية تحقِّق عائدات تصل إلى 4.6 ضعف المبالغ التي تنفقها على هذه البرامج، مما يدل على أن برامج الولاء غالبًا ما تكون استثمارًا مربحًا إذا نُفذَت بشكل رياضي صحيح. والمعروف أن الدور الاستراتيجي لنقاط الولاء هو: جذب العملاء والاحتفاظ بهم + تحفيز الشراء المتكرر + زيادة قيمة عمر العميل = نمو في الأرباح.
لذلك رياضيًا يمكن اقتراح صيغة محاسبية لصالح اقتصاد اللطف، بحيث يمكن للشركات مثل «STC» أو «فلاي ناس» إضافة نقاط اللطف إلى استراتيجية برامج الولاء لديها. ومن المؤكد أنها ستجني شرائح جديدة من المستهلكين، وتضيف قيمة اجتماعية مؤثرة إلى وزن علامتها التجارية.
جاهزية البنية التحتية لاقتصاد اللطف متوفرة أساسًا في السوق السعودي ضمن برامج الولاء المتعددة، إلى جانب توفُّر المنصة الوطنية للعمل التطوعي. مما يعني أن اقتصاد اللطف ممكن تقنيًّا وتسويقيًّا ورياضيًّا، ويحتاج إلى أشخاص لطيفين يؤمنون بالاستهلاك الأخلاقي وجاهزين لتبني اقتصاد يكافئ ليس فقط المشتريات، بل أيضًا النزاهة الشخصية. ولأن رؤوس الأموال عادة لا تكون رومانسية، فمن المجدي التكامل بين القطاع الخاص والقطاع الحكومي من خلال مبادرة تطلقها الحكومة فيها مزايا للشركات اللطيفة، منها تخفيضات ضريبية مثلاً في حالة كون العائد الحكومي أعلى من قيمة الخصم الضريبي.
أثناء البحث المقارن عن مراجع وتجارب عالمية، وجدت «بنوك الوقت» في بريطانيا الأقرب إلى مفهوم اقتصاد اللطف. تلك البنوك أنظمة مجتمعية تأخذ شكل الأرصدة البنكية، يجري من خلالها تبادل المهارات والخدمات بين الأعضاء، حيث يكسب الأعضاء أرصدة مقابل الوقت الذي يقدمونه، ويمكنهم إنفاقها على الخدمات التي يحتاجون إليها. ويركِّز مفهوم بنوك الوقت على قيمة مساهمة كل فرد بغض النظر عن المهارات أو الموارد المالية.
ويوجد في بريطانيا 300 بنك لـ«الوقت» يتجاوز عدد أعضائها 30 ألف شخص ساهموا بأكثر من 3.5 مليون ساعة من التبادلات الزمنية، أي ما يعادل تقريبًا 400 سنة. هذا يعني أن التبادلات الزمنية للسعوديين عبر المنصة الوطنية للعمل التطوعي العام الماضي تجعلهم أكثر لطفًا من البريطانيين بفارق كبير، رغم أن الكثافة السكانية في بريطانيا أعلى من السعودية بثلاثة أضعاف تقريبًا.
إن مفهوم التوأمة بين أنظمة وبرامج الولاء المتوفرة في السوق السعودي وما بين المنصة الوطنية للتطوع يعيد تخيل الأنظمة الحالية كمسار نحو تأثير اجتماعي حقيقي. ويضع الشركات والمؤسسات الحكومية كلاعبين رئيسين في تشجيع مسار اقتصادي مستدام اجتماعيًا، ومستدام ربحيًّا أيضًا، ويترك على وجوه الجميع ابتسامة لطيفة.
التعليقات
إضافة تعليق جديد