دراسة: دور الحوسبة السحابية في تطوير خدمات المعلومات في المكتبات الأكاديمية: دراسة مقارنة

تأليف: د. ناصر متعب الخرينج، د. أحمد أحمد المزين

 

شهدت السنوات الأخيرة تحولاً جذرياً في مفهوم تقديم الخدمات المعلوماتية، خاصة مع ظهور تقنيات متقدمة مثل الحوسبة السحابية، التي أصبحت عاملاً محورياً في تطوير خدمات المعلومات بالمكتبات الأكاديمية، وتهدف هذه الدراسة إلى تسليط الضوء على أثر هذه التقنية في تحسين الكفاءة التشغيلية، وتوسيع الوصول، وتقليل التكاليف، من خلال مقارنة ميدانية بين مكتبات جامعة القاهرة، وجامعة الكويت، وجامعة شمال تكساس.

 

أهداف الدراسة ومنهجيتها

ركزت الدراسة على قياس مدى فاعلية تطبيقات الحوسبة السحابية في تطوير خدمات المعلومات، مع تحليل واقع استخدامها، واستكشاف مميزاتها، ورصد التحديات التي تواجه تطبيقها، وقد اتبع الباحثان المنهج الوصفي التحليلي، مستفيدين من أداة قائمة المراجعة التي وُجهت إلى مسؤولي المكتبات الثلاث.

 

أنواع الحوسبة السحابية المستخدمة

بيّنت الدراسة تنوع استخدام الحوسبة السحابية بين المكتبات محل الدراسة، اعتمدت مكتبة جامعة القاهرة نموذج البرمجيات كخدمة (SaaS)، في حين استخدمت مكتبات جامعة شمال تكساس نماذج متعددة مثل البنية التحتية كخدمة (IaaS) والمنصة كخدمة (PaaS)، مما أتاح لها مرونة أكبر في تطوير خدمات المعلومات، أما مكتبات جامعة الكويت، فلم تعتمد بشكل رسمي نموذجاً معيناً، رغم استخدامها لتطبيقات سحابية جزئية.

 

التطبيقات المستخدمة في المكتبات

شملت التطبيقات السحابية المستخدمة: Google Scholar، Word Online، Dropbox، Google Drive، Microsoft Office 365، وغيرها، وقد ساهمت هذه التطبيقات في تطوير الخدمات المعلوماتية من خلال تسريع إجراءات العمل، وتسهيل الوصول إلى المحتوى، وتحقيق التكامل بين نظم التشغيل والفهرسة، والإعارة، والدوريات الإلكترونية.

 

النتائج الأساسية للدراسة

أوضحت النتائج أن مكتبات جامعة شمال تكساس حققت تقدماً ملحوظاً في تطوير خدمات المعلومات بفضل الاستخدام المكثف والمنظم لتقنيات الحوسبة السحابية، في المقابل، حققت جامعة القاهرة مستوى جيد من التحسن، لكنه محدود بسبب ضعف التدريب وغياب خطة شاملة، أما جامعة الكويت، فلا تزال في طور التمهيد لاعتماد هذه التقنية، مما انعكس على أداء خدماتها.

 

مميزات الحوسبة السحابية في تطوير خدمات المعلومات

خلصت الدراسة إلى أن الحوسبة السحابية توفر مزايا متعددة تُسهم بشكل مباشر في تطوير خدمات المعلومات، مثل:

  • خفض تكاليف التشغيل والصيانة.
  • إتاحة الوصول السريع والمرن للمصادر المعلوماتية.
  • توفير مساحات تخزين ضخمة.
  • تحسين التعاون بين المكتبات الأكاديمية.
  • دعم الابتكار والرقمنة والتحول الذكي في تقديم الخدمات.

 

التحديات التي تواجه تطبيق الحوسبة السحابية

رغم المميزات المتعددة، تواجه المكتبات عدداً من التحديات التي تعوق تطوير خدمات المعلومات من خلال السحابة، مثل:

  • نقص الكوادر المؤهلة في تكنولوجيا المعلومات.
  • مشكلات الخصوصية وأمن البيانات.
  • ضعف البنية التحتية في بعض المكتبات.
  • غياب الوعي الإداري بأهمية الحوسبة السحابية.
  • الخوف من فقدان البيانات أو سوء إدارتها.

 

أثر الحوسبة السحابية على جودة خدمات المعلومات

أثبتت الدراسة أن توظيف الحوسبة السحابية يؤدي إلى تطور ملحوظ في جودة الخدمات مثل: الفهرسة الإلكترونية، والتزويد، والإعارة، والمستودعات الرقمية، والإمداد بالوثائق، والتسويق الإلكتروني، وكل هذه الجوانب تُعد جوهرية في عملية تطوير خدمات المعلومات، وتؤكد على ضرورة الاستثمار في التقنية والبشر معاً.

 

توصيات الدراسة

اختتمت الدراسة بمجموعة من التوصيات المهمة التي تهدف إلى دعم تطوير خدمات المعلومات عبر الحوسبة السحابية، ومن أبرزها:

  • تدريب العاملين على التطبيقات السحابية.
  • وضع خطط استراتيجية لتبني التقنية.
  • الاستثمار في البنية التحتية الرقمية.
  • إشراك الإدارات العليا في التخطيط التقني.
  • تدريس الحوسبة السحابية ضمن مناهج أقسام المكتبات والمعلومات في الجامعات.

تؤكد هذه الدراسة أن الحوسبة السحابية لم تعد مجرد خيار تقني، بل أصبحت أساساً جوهرياً في أي خطة تهدف إلى تطوير خدمات المعلومات في المكتبات الأكاديمية، فالنجاح في هذا المجال مرهون بقدرة المكتبات على استيعاب التقنيات الحديثة وتطبيقها بفعالية.

وبينما تتفاوت المكتبات العربية في هذا المسار، فإن الفرصة ما تزال سانحة لتقليص الفجوة، بشرط اتخاذ خطوات تنفيذية حاسمة نحو التحول الرقمي الكامل.

 

دور الموارد البشرية في دعم تطوير خدمات المعلومات

من أبرز ما توصلت إليه الدراسة أن النجاح في تطوير خدمات المعلومات لا يتوقف فقط على تبني تقنيات الحوسبة السحابية، بل يعتمد أيضاً بشكل كبير على جاهزية الكوادر البشرية القادرة على استخدام هذه التقنيات بكفاءة، إذ أشارت الدراسة إلى أن بعض المكتبات تعاني من نقص في العاملين المؤهلين بمجال تكنولوجيا المعلومات، مما يؤثر سلباً على إمكانية استغلال الإمكانات الكاملة للحوسبة السحابية، وعلى النقيض، أظهرت مكتبات جامعة شمال تكساس نموذجاً ناجحاً في تأهيل طواقمها، مما ساعد بشكل مباشر في تحقيق قفزة نوعية في تطوير خدمات المعلومات.

 

أثر الحوسبة السحابية في دعم البحث العلمي

أحد الأبعاد المهمة التي تناولتها الدراسة هو تأثير الحوسبة السحابية على دعم البيئة البحثية في الجامعات، فالمكتبات التي وفرت أدوات مثل المستودعات الرقمية، وقواعد البيانات الإلكترونية، وتطبيقات تبادل الملفات، تمكّنت من تحسين بيئة البحث العلمي، ما أدى إلى تطوير خدمات المعلومات البحثية بشكل ملموس، وقد ساعد ذلك الباحثين والطلاب على الوصول إلى مصادر حديثة بسهولة، وتقليل الزمن المستغرق في البحث والاسترجاع، وتعزيز التفاعل مع الأنظمة الإلكترونية الأكاديمية.

 

أهمية التكامل بين الأنظمة السحابية والأنظمة التقليدية

لاحظت الدراسة أيضاً أن بعض المكتبات التي سعت إلى تطوير خدمات المعلومات قامت بالجمع بين النظم التقليدية والنظم السحابية في بيئة عمل هجينة، هذا التكامل سمح لها بالاحتفاظ ببعض النظم المستقرة، مع الاستفادة في الوقت ذاته من مرونة وسرعة تقنيات السحابة.

لكن هذه البيئة المزدوجة تتطلب تخطيطاً دقيقاً لضمان عدم حدوث تعارض في الأداء أو في حماية البيانات، وبذلك، فإن تطوير خدمات المعلومات في بيئة هجينة يتطلب أدوات إدارة متقدمة وسياسات واضحة تضمن انسجام الأنظمة وتكاملها.

 

الحوسبة السحابية كأداة لتحقيق الاستدامة البيئية

ومن الزوايا المبتكرة التي طرحتها الدراسة هي اعتبار الحوسبة السحابية وسيلة لتحقيق الاستدامة البيئية في المكتبات، حيث إن تقليل الاعتماد على البنية التحتية المحلية، وخفض استهلاك الطاقة، وتقليل الطباعة الورقية، كلها عوامل تندرج تحت استراتيجية بيئية مسؤولة، وعليه، فإن تطوير خدمات المعلومات من خلال السحابة لا يحقق فقط أهدافاً تشغيلية، بل يساهم أيضاً في تحقيق الأهداف البيئية، وهو ما يتماشى مع التوجهات العالمية في مجال المكتبات والمعلومات.

 

نحو مستقبل رقمي للمكتبات الأكاديمية

تشير الدراسة في خاتمتها إلى أن مستقبل المكتبات الأكاديمية مرتبط ارتباطاً وثيقاً بقدرتها على اعتماد الحوسبة السحابية، ليس فقط كأداة تقنية، بل كنموذج تشغيلي شامل يعيد تعريف كيفية تقديم الخدمة، وإدارة المعرفة، والتفاعل مع المستفيدين، إن تطوير خدمات المعلومات في هذا السياق يتحول من مجرد تحديث أدوات إلى إعادة هندسة شاملة لطبيعة الخدمات نفسها.

وتدعو الدراسة إلى أن تتحول المكتبات من التفكير التقليدي إلى نماذج ابتكارية أكثر اعتماداً على الذكاء الاصطناعي، والتعلم الآلي، والحوسبة السحابية كأدوات مستقبلية لا غنى عنها.

يمكنك تحميل دراسة: دور الحوسبة السحابية في تطوير خدمات المعلومات في المكتبات الأكاديمية: دراسة مقارنة مباشرةً من هنا.